كن ابن من شئت و اكتسب أدبا


بقلم: عبد الحفيظ محمدي علوي
قبل 3 سنوات كنت اشتغل في مصلحة الإستقبال بأحد الفنادق النمساوية و في المطعم التابع للفندق كانت تشتغل فتاة  في العشرينيات من عمرها كنادلة،  اتذكر أنني  صرخت مرة في وجهها بعدما صادفتها تدخن في مدخل الفندق  وأخبرتها أنها لو عاودت مثل هذا الفعل سأشتكيها الى المدير الذي من الممكن أن يطردها. الشابة تفهمت غضبي و اعترفت بخطأها و اعتذرت مني و أعطتني وعدا قاطعا بأنها لن تدخن ثانية في هذا المكان.


بعدها بأشهر صادفت نفس الشابة في مرأب السيارات الخاص بالفندق و كانت تحمل في يدها حامل مفاتيح (porte-clés) عليه شارة الشرطة، و  من باب المزاح قلت لها "انت اذا شرطية سرية تقومين بمهمة تجسس في هذا الفندق!" فأجابتني بأن والدها، الذي يشتغل في سلك الشرطة، هو من أهداها حامل المفاتيح هذا، و من باب الفضول سأ لتها عن رتبة ابيها في الشرطة ، و عملا بقانون "الحق في الحصول على المعلومة" أخبرتني بأن والدها هو والي الأمن في مدينة نمساوية  يفوق تعداد سكانها الخمسون الف نسمة. "وكيفاش دابا! باباها والي الأمن و مع ذلك تشتغل نادلة في مطعم ! و فوق ذلك غوت عليها داك النهار...ناري اش درت !".

 بطبيعة الحال كل مغربي سيطرح  على نفسه نفس السؤال اذا صادف مثل هذه الحالة لأننا لم نتعود في بلدنا الحبيب ان نرى ابناء ولاة الأمن او غيرهم من مسؤولي الدولة الكبار يمارسون هذا النوع من المهن البسيطة ، كما انه من النادر أن نلمس مثل تواضع هذه الشابة النمساوية  في أقرباء رجال السلطة في مغربنا الحبيب الذي تُستعمل فيه بكثافة عبارة "واش عارفتي مع من كاتهضر".

و أنا متأكد ان هذه الشابة تمارس هذا التواضع في كل أطوار حياتها اليومية بدون ادنى استفادة من منصب والدها، أكيد أنها تحترم طوابير الإنتظار في كل الإدارات و المؤسسات التي تقصدها، أكيد انها لا تهدد أي شخص  بارساله "فين يتربى"، أكيد أنه لم يسبق لها يوما  ان فكرت في صفع شرطي صغير في الشارع العام لأنه اراد ان يحرر مخالفة ارتكبتها، أكيد أنها تجهل عبارات العجرفة و الإستعلاء من قبيل "واش عارفتي مع من كاتهضر" أو أنا من جهة فلان" ... لا تعرف كل هذا لأنها ترعرعت في كنف دولة ترسخ في عقول مسؤوليها أنهم مُنِحوا مناصبهم من أجل خدمة المواطن وليس من أجل التباهي أو التسلط عليه، هي لا تعرف كل هذا لأن المدارس في وطنها الديموقراطي ترسخ في عقول تلاميذها أنه من الواجب احترام الآخر، بغض النظر عن عقيدته أو  نسبه أو مكانته الإجتماعية.

أتذكر أنني صادفت صيف السنة الفارطة مشادة كلامية  بين شرطيين و شاب قرب محطة القطار بمدينة مراكش..الشاب "المغربي" ركن دراجته في مكان ممنوع و بعدما أخبره رجال الشرطة بالمخالفة التي ارتكبها  و طلبا منه  الإدلاء ببطاقته الوطنية و الوثائق الخاصة بالدراجة النارية، التي كان يمتطيها رفقة صديقته الأجنبية، رفض! و باش تعرف بنادم مشارجي مزيان بالأمراض النفسية، لم يكتفي بالرفض  فقط بل صرخ في وجه الشرطيين مخبرا إياهما بأنه مغني "راب" و بأنه قد حصل قبل يومين على وسام ملكي "واخا ماسولو حتى واحد" ..وهذا تايغني غير الراب و بدا بعدا كايستعمل عبارة "واش عرفتي معا من كاتهضر" ..ناري كون كان "باباه" هو والي أمن مدينة مراكش..كون ولاو المغاربة تايبانو ليه بحال "القريشلات".